الأحد، 11 ديسمبر 2016

هل يمكن فعلاً ان تحب المتطرف ؟


اتخيل نفسي احيانا رئيس جمهورية امارس الاعتقالات بدون اسباب للمتطرفين فكرياً ودعاة التشدد والذين يحملون افكار غير انسانية حتي وان لم يظهر ذلك علي افعالهم وكانوا اعضاء غير خارجين عن القانون في المجتمع
اشعر براحة نفسية وتقبل لافعالي كرئيس جمهورية اعتقل رجل سلفي هنا او شاب يقول انه "وسطي"بعهر لذيذ ، وكاهن مسيحي او اسقف معتوه هناك
لم اقتنع ابداً بتابوهات الحرية والديمقراطية وسماحة الرأي التي ترص دائماً كثوابت انسانية
واظن واعتقد مثلما تعتقد انظمة الذكاء الاصطناعي في افلام الخيال الامريكية ان الدفاع علي الانسانية قد يتضمن احياناً حياد عن ثوابت الانسانية واؤمن ان الغاية السامية الواضحة التي لا تهرب من امام عيني تبرر بعض الوسائل في نطاق معين
واظن ان هذا يدفع البعض لاتهامي بالحياد عن فكرة الانسانية او بالفاشية او التسلط ..ربما

حتي قرأت تلك الكلمات ان طاقة الحب للمتشدد والمتعصب والمتطرف .. طاقة الحب كما يحب الله التقي والعاصي .. تلك هي التي تسمح لافعالك بتغير هؤلاء الاشخاص وازالة الغمة عن عيونهم
هو ليس حب كذلك النوع من الكلمات التي تطلق في الكنائس لتخفي الغضب والغيظ والحزن ولتبرر السلبية والانسحاب
او ليس حباً من نوع طباعة اوراق تحمل جملاً ساذجة مثل " اخويا البوذي انا بحبك قوي " بما تحمله من خنوع وبلاهة

اظن ان تلك فكرة تلك الحب هي اعمق من هذا .. "حرب الحب "
اتذكر وانا القي حجراً ثقيلاً  ليصيب من يصيب في احداث الاتحادية علي جموع الاخوان الذين اطلقوا علينا وابلاً من طلقات الخرطوش وامطرونا طوب
انني لوهلة احسست بالشقفة علي هؤلاء المحمومون .. خيل لي اني اري مجموعة من البائسين التائهين المغيبين .. الضائعة حياتهم والمسلوبة متعتهم .. يحركهم الغضب والكراهية والثورة السوداء طوال الوقت بلا اي اختبار لاحساس السعادة المنبثق من فعل الحب .. حياتهم بلا حب حقيقي في كل المناحي
شعرت وقتها بالشقفة .. لن ابالغ واقول بالحب .. كانت شفقة وحاولت ان اتخيل حياة من سقط علي رأسه الحجر .. وتعاطفت معه .. لكنني سرعان ما هممت بالقاء حجر اخر لحماية الصف الاول من ذلك الرجل الذي يحمل السلاح الاسود  ولا يجد من يردعه
لا افهم تحديداً كيف اقاتل في حرب قوامها الحب .. ولا اعرف كيف اكمل معركتي فيما احب عدوي
لكني اوقن انهم بحاجة لتذوق الحب ولمس تلك المتعة حتي بطرف لسانهم ، لتسكرهم خمرة الحب فيعرفون ان الانسانية دين الحق .. وان الله هو الحب ، اعرف هذا جيداً من دون "دروشة " او ادعاء او اتباع اي فكرة او تفسيرات دينية ما .. هي ربما احساس روحي  ..
كذلك هم ايضاً يحتاجون الحرب بضراوة .. لان اهمال الصفوف الاولي وتركها فريسة سهلة للصياد استسلام وخنوع وهروب

الأحد، 26 مايو 2013

عودة حُلم قديم



"راودني حلم الطيران منذ الصغر ولكني فشلت في الالتحاق بكلية الطيارين .. الان عاد يخاجلني بقوة هذا الحلم ولكن بشكل مختلف هذة المرة . ليست رغبتي فى الطيران الان هي تعطشاً لمرور الهواء علي وجهي سريعاً ومشاهدة الارض من علو ساحق بقدر ما اصبحت ارغب في الطيران هرباً . هرباً من شيئاً ما لست اعرفه . اشعر بالاختناق الان اكثر من اي وقت مضي , صرت لا اطيق الغرباء الذين يمرون بحولى في الطرقات . اجلس في غرفتي اياماً , لم اعد اطيق النظر من نافذتي الي كل تلك المبانى التي حجبت الشمس وكواكب الليل عني , كل شئ يدعو للاختناق , ارغب في التحليق بعيداً  . الي شاطئ مهجور ربما مررت بجواره ذات مرة في طريقي الى بلده ساحلية تعج بالغرباء
لا اعرف كيف صار وجود البشر يخنقني بهذا الشكل مؤخراً
لطالما كنت اختنق بالعمل والدراسة بالمباني الشاهقة والسيارات والطرقات المزدحمة والمدينة عامةً . لكن ما جد هو ان اضيق خلقاً بوجود سكان المدينة حولى . لكن لا اعرف الي اين اهرب قد اصبح كل مكان مدينة
هم يشفقون عليّ وانا اشمئز منهم الي درجة تجعلني انظر الي الارض المتربة او عواميد الانارة متجنباً النظر الي وجوهم
الشئ الوحيد الذي لم تكن هي تشبهي فيه هو شعورى بالغربة هذا . كانت تحب البشر والمدينة . تخيلت انها ربما تكون حلي الوحيد لاتمكن من تقبل هذة الغربة المؤلمة . كنت انظر اليها فى طرقات المدينة المزدحمة بعين تحمل تعبيرات طفل مذهول ينظر لامه وهو علي وشك البكاء حين رأي العالم للمرات الاولى في حياته وهاله كيف ان العالم كبيرٌ وصاخب للغاية من حولهم
هي لم تفهمني , لكنها كانت تشعر بي وتحاول ان تضمني كما امي
لكنها رحلت وبقيت انا وحدي في طرقات المدينة المزدحمة . افكر فيها كل مرة خرجت من المنزل لاشعر بالامان . اشتاق الي حضنها الذي لم يفهمني هذا لكنه ضمني بقوه فانقذني من الم غربتي , كنت اقول لها كلما ضقت بشعور الاختناق انه لا احد لي سواكٍ , كانت تحتضنني حينها , لكنها لم تفهم , ولهذا لم تتردد عندما قررت ان ترحل . لانها لم تفهم مقدار اهمية وجودها في حياتي في وسط كل هذة الامور التي تحاول الفتك بعنقي . لم تفهم انها هي الشئ الوحيد الذي تشبث بي ليمنعني من الطيران بعيداً عالياً جداً . هي التي ابقتني علي الارض وجعلتني اظل آمل في امكانية استمرار حياتي وسط كل هذا . لم تفهم معني انها كانت وطني الوحيد وسط كل هذة الغربة , فرحلت وبقيت انها افكر فيها حين اركض فجراً في الشوارع الخالية شاعراً براحة نسبية . وحين اسير وسط الاف البشر في الطرق المزدحمة . وافكر فيها في مجالس اصدقائي وفي اوقات عملي وفراغي ونومي . واشعر للغاية بالحنين الي وطني الذي صار بعيداً هذا . الذي لم ارحل عنه بل رحل عني , صار الذكريات والحنين يخنقاني هما ايضاً , يطارداني في كل الاماكن وحتي بلا اماكن.
انا لم اطق الانتظار كعادتي ولم اطق الاختناق . فقررت ان اطير . ساطير لاول مرة في حياتي لاني لم اعد اتحمل الضغط من حولي من كل اتجاه . "

بمعاينة الرسالة واوراق شخصية اخرى بالغرفة ( مؤكد انها مكتوبة بيد المجني عليه )  تبين لنا ان الورقة مكتوبة بخط يد المجني عليه ومن فحص الحبر علي الورقة تبين انه كتبها في نفس يوم الوفاه , مما يجعلنا نستبعد اي شبهة جنائياً ومما يؤكد رواية شهود العيان بأن المجني عليه قفز من شرفة غرفته بالفندق في الدور ال 20  في الثالثة ظهراً فارداً ذراعيه , ولامست رأسه الارض اولاً علي الطريق وسط المارة وفارق الحياة متأثراً بتهتك في المخ وكسور بالغه

فادي فتحي




الأحد، 9 ديسمبر 2012

حالة روتين

لم أنم تلك الليلة , من النافذة ظهرت السماء بالازرق الداكن ثم صعدت الشمس متباطئة , انتابتنى كأبة مفاجئة , يبدو انه جهازى العصبى وساعتى البيولوجية يتذمران , اضيّق النافذة , وأغسل وجهى وفيما ارفع رأسى عن الحوض أحملق لوهلة فى انعكاس صورتى فى المرآة , لماذا لم أنم ليلة أمس , هل هى السبب ؟ لا اعتقد ذلك .. لقد نامتْ مبكراً ليلة امس
انظر مرة اخرى فى المرآة .. هى , لماذا احبها ؟ لماذا احب انا اصلاً ؟ هل استمر فى حبها ؟ ... اهمل كل تلك الاسئلة بمجرد ان اجفف وجهى , ثم اشفق عليها منى , اشفق عليها من عقلى الخرب وجنونى
فى المصعد احملق فى صورتى فى المرآة مجدداً , ابدو وسيماً اليوم باستثناء عينانى المحمرتان , لماذا صرت اهتم بمظهرى هذة الايام ؟ , انسى هذا السؤال ايضاً
اعانى من اثآر عدم النوم , عندما لا تنام لا تفقد التركيز , بل تصبح حواسك اكثر حساسية , الضوء اكثر سطوعاً , وتقلقك اقل حركة بجوارك , تشعر فى الشارع المزدحم كأنك تسمع كل الاصوات التى حولك كلٍ على حدة , تزعجك كل هذة الاصوات العادية جداَ
لا تفقد التركيز ابداً , لكنك تفقد الاهتمام بما ترصده حواسك جيداً , لا تفكر فيها حولك ربما وتنشغل جداً بنفسك , تتداخل الافكار فى رأسك , تسمع نفسك كأن لافكارك اصوات
اطلب كوباً من القهوة لاخرج من تلك الحالة المزعجة المصاحبة لقلة النوم
اشعر بالوحدة ... منذ الصباح اشعر بالوحدة , لكنها تقسو وتشتد عليّ الان . اتذكر شطراً من كتاب اسمه   " انا خائف " يقول الكاتب :
 
لا يفكر فى العودة مطلقاً
لكنه
احياناً
,فى الليل
ينتظر مدمنى البانجو
الى ان يغيبوا عن الوعى
ويندس بينهم
ربما يمرر احدهم يده
, برفق ,
على رأسه .

اشرد قليلاً فى هذة الكلمات
افكر فى كتابة قصة عن شاب أحب بائعة هوى مسكينة أُشفَقَ علينا وأَحَبَتَه هى , اتخيل جُملاً فى رأسى , لا لا , لقت كُتِبَت هذة القصة مئات المرات من قبل ... لن اكتب

فى الحافلة تصمت الافكار فى رأسى , ثم تعود اقسى , لماذا انا حى ؟ لماذا انا موجود ؟ ماذا افعل فى حياتى وماذا سأفعل , لماذا هؤلاء البشر موجودين ؟ ما فائدة كل هذا ؟
اضجر .... انها حالة من أدراك الروتين , انا اعرف , حينما تدرك ما انت فيه من روتين تختنق به وتكره الحياة ولا تفهمها ولا تري شيئاً .. لكنها لحسن الحظ تكن لحظات قصيرة جداً

أنظر فى عيون الركاب , اتمنى لو اعرف قصة كل واحد فيهم , اتمنى لو اعيش حياة كل واحد فيهم , اتمنى ان ارى الدنيا بعيون كل واحد منهم . اتمنى ان اوجد فى كل مكان فى نفس الوقت فأعرف كل القصص وارى كل الاماكن .. اتمنى ان اصير لا محدوداً , هل هى رغبة الانسان منذ ان اكل من شجرة جنة عدن فى ان يصير الهاً ؟
ما هذة التراهات التى افكر فيها واصبغها بالفلسفة , اضحك فى نفسى . واكتم الضحكة بعدما ظن بى احد الركاب الجنون

فى المصعد انظر وجهى مرة اخرى فى المرآة , مازلت وسيماً بعد كل هذا اليوم , لكن ما فائدة المظهر وخلف هذة العيوم أبار مظلمة . اُدرك الان ... بسببها انظر كثيراً فى المرآة لابقى انيقاً . اى سطحية هذة ؟ لماذا احب ؟ لماذا يجب ان احب انا اصلاً ؟
اشفق عليها مرة اخرى من جنونى ... وانام

فادى فتحى
9-12-2012 




الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012

داخل رأسه


رفع الطبيب عينه من الاوراق التى فى يده ونظر الى زميله وهو يحرك رأسه وكتفيه مستعجباً
- انا لا افهم شيئاً على الاطلاق , كل المؤشرات الحيوية والقراءات الكهربائية للمخ تشير الى انه سليم وطبيعى لكنه فقط نائم , بل ويحلم , الانشطة الكهربائية تشير انه فى مرحلة النوم ذات الاحلام , الغريب انه لا يخرج ابداً من هذة الحالة ولا يستيقظ , لقد مر اكثر من 5 ايام , وفشلت كل محاولات ايقاظه بازعاجه بكل الطرق او بالادوية
- يرد الطبيب الاخر : انا لم اسمع عن امر كهذا فى حياتى – لا اثر لحالات مشابهة على الانترنت ايضاً , انا لا افهم شئ
- اقترح ان نعرضه على الاخصائيين ربما يتوصلوا لشئ

بعد اسبوعان يخرج اشرف ذو ال 26 عاماً على نقالة الى سيارة الاسعاف التى ستقله الى المنزل وهو مازال نائماً هذا هو اسبوعه الثالث تقريباً فى نوم متواصل , يعتمد على المحاليل ولكن كل جسده يعمل بكفاءه , كان يبدو وجهه نقياً مرتاحاً ساكناً كالاطفال , لم يستطتع كبار الاطباء من مصر او خارجها فهم حالته او التوصل لحل , ووجدوا انه لا فائدة من ابقاءه فى المستشفى , هو مجرد شخص نائم ويحلم منذ ثلاثة اسابيع . فقرروا السماح لاهله باخراجه من المستشفى وارجاعه الى المنزل ومتابعه حالته هاتفياً بعد تعليم اخوته وامه كيفية تغيير المحاليل له والعناية به
كانت عينيى اشرف تتحرك طوال الوقت اسفل جفونه , كانت معالم وجهه تتغير احياناً يبدو على تعبرياته الانفعال , يعبس , يبتسم , تتسارع ضربات قلبه وتتباطئ احياناً اخرى , كأى انسان يحلم اثناء نومه
قال احد الاطباء الاجانب لوالدته : ابنك ليس به علة , عقله وجسده سليمان تماماً , هو فقط اسير داخل حلم

تذكرت امه وقتها ...
شريف كان فتي كثير الاحلام , منذ صغره , هكذا ولِد , دائماً يحلم ويستيقظ ليحكى للجميع ما يتذكره من احلامه , كانت احلامه فى الغالب جميلة بحق , دائماً كان يقول هذا , انه يحلم اجمل الاحلام التى يمكن لبشر ان يحلموا بها , بل انه كان يحكى دائماً انه يمكنه ان يتحكم فى احلامه احياناً , احداثها وافعاله داخل الحلم
بعد وفاة جده وهو طفل ظل يحلم لفترة طويلة كلما نام بجده المتوفى , فلم يصيبه الحزن ابداً , كان يحكى لامه ما رأه , وكيف ان جده تعافى وصار نشيطاً , صحته جيده كان يلعب ويلهو معه طوال الحلم واخبره انه يريد ان يشترى منزلاً هادئاً له حديقه , علمه ان يقرأ الجرائد وزرع فيه حب الاستماع لام كلثوم وعبد الحليم على الراديو القديم الموضوع فى ركن غرفته
لم  تكن حياة اشرف حياة جيدة من وجهة نظره اذا صح هذا الوصف  , كان وحيداً فى الجزء الاكبر منها , تصادق وكثيرون لكنه ظل وحيداً , قلبه احب مرات ولكن كل هذة التجارب باءت بالفشل , كان يكره المدينة ولم تمكنه الظروف من الهروب منها و العيش خارجها, كان يكره الفقر والظلم ولم يمكنه فعل اى شئ حيال ذلك سوى الحزن , كان يكره سلبيات مجتمعه , تقاليده الغبية واحكامه السخيفة , كان يكره الحرب , كان يحب الحب , كل هذا كان كافياً ليجعله تعيس القلب برغم ضحكته التى نشرها فى كل مكان

الفتاة الاخيرة التى احبها بشده لم يستطع ان يتزوجها بسبب الضغوط المادية وبعض الامور الاجتماعية الغبية ايضاً
كان فى ال 26 وقت اخبرته بانها ستتزوج , كان يعلم منذ البداية انها ربما لا تحركها المشاعر مثله ولن تحبه مثلما يحبها لكنه لم يتخلى عن حبه لها لحظة  , صمم على ذلك الحب غير المشروط وقرر انها يحبها لا بشروطه ولكن يحبها بأى حال من الاحوال , كان يقول لصديقه : " لانى احبها سارضى بأى حب منها , حتى ولو كان هذا الحب لمجرد كونى زوجاً مناسباً محتملاً , ساعلمها الحب فتعلمنى الحياة " كانت مفعمة بالحياة حقاً
كان يضع قلبه على المحك مقرراً ان يحبها فى كل الاحوال , حياً على امل , فقط امل انهما قد يجمعهما الحب فى يوم من الايام بأى شكل من الاشكال او بأى طريقة حتى ولو كانت هى الزواج التقليدى , صار هذا الامل هو هدفاً له لكثير من الوقت ,  لكن ضياع هذا الامل بخطبتها لاخر كان له تأثير صادم ومدمر له للغاية
حزن كثيراً , صمت طويلاً , لم يرغب فى الطعام ولم ير الشمس لايام , كان ينام كثيراً فى هذة الفترة ويستيقظ ليظل صامتاً مطرقاً طوال اليوم
فى اليوم المنكوب ابتسم لاخته الحنون التى اشفقت عليه وطلبته منه ان يأكل , اكل قليلاً وقبَّل جبهتها  ودخل الى غرفته لينام , لم يستقظ منذ ذلك الوقت , عيناه تطارد شيئاً ما اسفل جفونه , باسماً معظم الوقت يتحرك قليلاً

- -
كانت الحياة رائعة , كان يعمل بجِد , كوّن نفسه مادياً , اصبح المجتمع بلا فقراء او طبقات او ظلم او جرائم ولا حروب فى العالم . فقط حب وحب فى كل مكان
صارحها بحبه لها الذى لم يفارق قلبه ابداً . وتزوجاً , سافرا فى شهر العسل الى تلك البلد الجميل التى حلما سويا بالسفر اليها . على الشاطئ الهادى هناك ظل يقول لها " بحبك " كل 10 دقائق حتى ملّت الكلمة ودعته ان يخرس ضاحكةَ وهو يكرر الكلمة ايضاً , لم يوافق ان يعلمها السباحة الا بعد ان نفذت طلبه بان صرخت وهى فى البحر بصوت عالى سمعه كل الناس هناك " بحبك " , علّمها الحب , ومنحته الحياة فاكتمل ضلعه المفقود , كان جده حياً وكان يزوره كل يومان فى منزله ذى الحديقة , لم يكن والده مصاباً بالسرطان , كان له الكثير من الاصدقاء , عاش هو وزوجته فى مدينة جنوبية صغيرة بجوار النيل فى منزل جميل .. اقتنى كلباً لطيفاً
- -

عاش حتى ال 88 , توفى والده ووالدته واصاب العجز اخوته , اودعوه احد دور الرعاية ليهتموا بتغيير المحاليل له والاعتناء به وتهذيب لحيته التى ضربها الشيب والتى لم يعد احد يحلقها له منذ ان بلغ ال 30 اثناء نومه
كانت ما تزال البسمه على وجهه فبدأ بلحيته البيضاء كحكيم عجوز نام بعد ان وصل الى الغاية العظمى , كان كل شئ جميلاً وعلى ما يرام داخل رأسه , داخل حلمه الطويل هذا كان كل شيئاً رائعاً , لم يتحمل جسده الهزيل ان تنسى الممرضة وضع المحاليل له لمدة ثلاثة ايام متتالية فمات على صدر زوجته وهو يبتسم ويحتضنها داخل رأسه ايضاً


فادى فتحى
4-11-2012
8:00pm
 







الأحد، 28 أكتوبر 2012

هيباتيا فى الفردوس


نظر القديس العظيم واذ بهيباتيا ترتدى ثوب ابيض بهي وتحلق روحها فى الفردوس وسط الابرار والصديقين . انقبضت جبهته وارتفع حاجبيه واحتقن وجهه غيظاً واستعجاباً …
سأل الملاك الواقف بجواره بصوت صراخ ٍ : ما هذا ؟  كيف هى هنا ؟ 
انها .. انها وثنية ؟ عاشت فى الضلال حتى موتها 
قال الملاك : هذا ليس من شأنك .. ولا من شأنى 
اجاب القديس : ولكنى اريد ان افهم .. يجب ان افهم 
رد الملاك : كثيرون هنا مثلها, لكن ربما هى الوحيدة التى تعرفها انت.
القديس : وكيف هذا ؟
الملاك : لانك لم تفهم 
نظر القديس بعيداً مطرقاً غارقاً فى التفكير 
فقال الملاك : كان قلبها نقياً . عاشت فى طهر . انارت العالم كثيراً . وانشدت السلام والحب دائماً وسُفِكَ دمها بريئة من اى تهمة.. هو ينظر الى القلب دائماً
سقط القديس على ركبتيه وبكى قائلاً : : ويحى , ويحى لم افهم انا المتحجر القلب 
رد الملاك : دائماً ظننتم انكم تفهمونه بعقولكم الترابية .. حاولتم معرفة قوانينه وعوضاً عن ذلك وضعتم قوانينكم الخاصة ونسبتمونها اليه .. حاولتم تحجيمه بكبرياء فكركم وفلسفتكم الساذجة وادعيتم انكم تفهمون حكمته, فحكمتم نيابة عنه 
قال الملاك هذة الكلمات ورحل بعيداً عنه .
 لم يقطع القديس عن بكاءه وحزنه سوى يد حانية تلمس ظهره . التفت ليجد هيباتيا تقف وراءه تبتسم له 

فقال لها بنظرة استعطاف : سامحينى

فادى فتحى
28 اكتوبر 2012
2:00 pm

الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

يسوع المصلوب ( جبران خليل جبران )


كتبت يوم الجمعة الحزينة 
اليوم وفي مثل هذا اليوم من كل سنة تستيقظ الإنسانية من رقادها العميق وتقف أمام أشباح الأجيال ناظرة بعيون مغلفة بالدموع نحو جبل الجلجلة لترى يسوع الناصري معلقاً على خشبة الصليب ... وعنـدما تغيب الشمس عن مآتي النهار تعود الإنسانية فتركع مصلية أ مام الأصنام المنتصبة على قمة كل رابية و في سفح كل جبل .
اليوم تقود الذكرى أرواح المسيحين من جميع أقطار العالم إلى جوار أورشليم فيقفون هناك صفوفاً صفوفاً قارعين صدورهم محدقين إلى شبح مكلل بالأشواك باسط ذراعيه أمام اللانهاية ناظرمن وراء حجاب الموت إلى أعماق الحياة ولكن لا تسدل ستائر الليل على مسارح هذا النهار حتى يعود المسيحيون فيضطجعوا جماعات جماعات في ظلال النسيان بين لحف الجهالة والخمول .
وفي مثل هذا اليوم من كل سنة يترك الفلاسفة كهوفهم المظلمة والمفكرون صوامعهم الباردة والشعراء أ وديتهم الخالية ويقفون جميعهم على جبل عال صامتين متهيبين مصغين إلى صوت فتى يقول لقاتليه:" ياأبتاه اغفر لهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون "... ولكن لا تكتنف السكينة أصوات النور حتى يعود الفلاسفة والمفكرون والشعراء فيكفنوا أرواحهم بصفحات الكتب البالية .
إن النساء المشغولات ببهجة الحياة المشغوفات بالحلى والحلل يخرجن اليوم من منازلهن ليشاهدن المرأة الحزينة الواقفة أمام الصليب وقوف الشجرة اللينة أمام عواصف الشتاء ويقتربن منها ليسمعن أنينها العميق وغصاتها الأليمة .
أما الفتيان والصبايا الراكضون مع تيار الأيام إلى حيث لا يدرون فيقفون اليوم هنيهة ويلتفتون إلى الوراء ليروا الصبية المجدلية تغسل بدموعها قطرات الدماء عن قدمي رجل منتصب بين الأرض والسماء . لكن عندما تمل عيونهم النظر إلى هذا المشهد يتحولن مسرعات ضاحكات .
في مثل هذا اليوم من كل سنة تستيقظ الإنسانية بيقظة الربيع وتقف باكية لأوجاع الناصري ثم تطبق أجفانها وتنام نوما عميقا . أما الربيع فيظل مستيقظا متبسما سائراً حتى يصير صيفا مذهب الملابس معطر الأذيال .
الأنسانية امرأة يلذ لها البكاء والنحيب على أبطال الأجيال . ولو كانت الإنسانية رجلا ً لفرحت بمجدهم وعظمتهم .
ألإنسانية طفلة تقف متأوهة بجانب الطائر الذبيح ولكنها تخشى الوقوف أمام العاصفة الهائلة التي تهصر بمسيرها الأغصان اليابسة وتجرف بعزمها الأقذار المنتنه .
الإنسانية ترى يسوع الناصري مولودا ً كالفقراء عائشاً كالمساكين مهاناً كالضعفاء مصلوباً كالمجرمين
فتبكيه وترثيه وتندبه وهذا كل ما تفعله لتكريمه .
منذ تسعة عشر جيلاَ ًوالبشر يعبدون الضعف بشخص يسوع , ويسوع كان قوياً ولكنهم لا يفهمون معنى القوّة الحقيقية
ما عاش يسوع مسكيناً خائفاً ولم يمت شاكياً متوجعاً بل عاش ثائراً وصلب متمرداً ومات جباراً.
لم يكن يسوع طائراً مكسور الجناحين بل كان عاصفة هوجاء تكسر بهبوبها جميع الأجنحة المعوجة .
لم يجىء يسوع من وراء الشفق الأزرق ليجعل الألم رمزاً للحياة بل جاء ليجعل الحياة رمزاً للحق والحرية .
لم يخف يسوع مضطهديه ولم يخش أعداءه ولم يتوجع أمام قاتليه بل كان حراً على روؤس الأشهاد جريئاً أمام الظلم والاستبداد, يرى البثور الكريهة فيبضعها, ويسمع الشر متكلماً فيخرسه, ويلقي الرياء فيصرعه .
لم يهبط يسوع من دائرة النور الأعلى ليهدم المنازل ويبني من حجارتها الأديرة والصوامع, ويستهوي الرجال الأشداء ليقودهم قسوساً ورهباناً, بل جاء ليبث في فضاء هذا العالم روحاً جديدة قوية تقوض قوائم العروش المرفوعة على الجماجم وتهدم القصور المتعالية فوق القبور وتسحق الأصنام المنصوبة على أجساد الضعفاء المساكين .
لم يجىء يسوع ليعلم الناس بناء الكنائس الشاهقة والمعابد الضخمة في جوار الأكواخ الحقيرة والمنازل الباردة المظلمة , بل جاء ليجعل قلب الإنسان هيكلاً ونفسه مذبحاً وعقله كاهناً .
هذا ما صنعه يسوع الناصري وهذه هي المبادىء التي صُلب لأجلها مختاراً, ولو عقل البشر لوقفوا اليوم فرحين متهللين منشدين أهازيج الغلبة والانتصار .
وأنت أيها الجبار المصلوب, الناظر من أعالي الجلجلة إلى مواكب الأجيال, السامع ضجيج الأمم, الفاهم أحلام الأبدية, أنت على خشبة الصليب المضرجة بالدماء أكثر جلالاً ومهابة من ألف ملك على ألف عرش في ألف مملكة . بل أنت بين النزاع والموت أشد هولاً وبطشاً من ألف قائد في ألف معركة .
أنت بكآبتك أشد فرحاً من الربيع بأزهاره, أنت بأوجاعك أهدأ بالاً من الملائكة بسمائها, وأنت بين الجلادين أكثر حرية من نور الشمس .
إن إكليل الشوك على رأسك هو أجل وأجمل من تاج بهرام، والمسمار في كفك أسمى وأفخم من صولجان المشتري وقطرات الدماء على قدميك أسنى لمعاناً من قلائد عشتروت . فسامح هؤلاء الضعفاء الذين ينوحون عليك لأنهم لايدرون كيف ينوحون على نفوسهم ، واغفر لهم لأنهم لا يعلمون أنك صرعت الموت بالموت ووهبت الحياة لمن في القبور

جبران خليل جبران

الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012

عيناها فى الشتاء


انها ليلة عادية , ليلة شتاء لكنها ليست باردة , لم تكن لها رائحة كتلك الليالى الاخرى , رائحة الهواء فى ليالى الشتاء تكون مميزة , كان المنزل خاوياً الا منى , وبعد دقائق اكتشفت انى قضيتها ادور فى المنزل بلا هدف قررت ان اخرج انا الاخر فيرتاح المنزل قليلاً

كل الوجوة غريبة عدا وجه البواب والنجار القابع المنهمك فى عمله امام المنزل وصاحب محل العطور وموظف شباك التذاكر فى محطة القطار ... كلها غريبة عدا هؤلاء , كم اكره الوجوه الغريبة وما تطلقه فى قلبى من شعور بالغربة والوحشة , ولكنى ايضاً سامت الوجوه المألوفة او سأمتنى هى

يخاطبنى : اسف ... فأومى له برأسى ان لا عليك . رغم انى الذى اصتدمت به دون قصد غارقاً فى التفكير

تخرج من احد الشوارع فترانى , يثبت نظرها عليَّ قليلاً ولكنها تدير وجهها وتسير فى طريقها وهو نفس طريقى بالصدفة او جعلته كذلك لا ادرى

شعرها الناعم القصير وقد التف حوله رباط اخضر اللون , عينيها تحمل كثيراً من المشاعر غير المفهومة تصل الى عقلك بمجرد ان تلتقى بشعاع ضوء سبق ان عبر بعينها , لقد رأيتها من قبل , لم نتحدث لكنى رأيتها من قبل , ى القطار ذلك اليوم المزدحم وَقَفتْ بجانبى على الرصيف , ركبت نفس العربة , تحرّجت من كثرة نظراتى لها , فهكذا انا دائماً افضح نفسى بنفسى , فقد رأتنى انظر اليها مرات عدة , لكنها بالتأكيد كانت تنظر هى الاخرة لذلك رأتنى , تبادلنا اكثر من عشرون نظرة فى دقائق معدودات يومها , كانت محطتنا واحدة لكن على الرصيف فقدتها فى وسط الزحام الشديد .. لا ازال اذكر هذا اليوم جيداً , لا ازال اذكر عينيها

ما احتمالية ان ترى احد الغرباء مرتين ؟ هؤلاء الذين تقابلهم فى الطريق ما احتمالية ان تقابلهم مرتين وتتذكرا بعضكم البعض ؟

اسرعت فى خطواتى حتى صرت اسير محازياً لها , لم اعرف ماذا اقول ولكن كان يجب ان اقول . تلك الصدفة او الترتيب لا اعلم , يمنحه لك القدر مرات قليلة , ولا ينبغى ان يضيع . قلت لها : "لم نعد غرباء لقد تلاقينا مرتان" .
 نَظَرت الى الارض وارتسمت على وجهها ابتسامة دافئة تستغرب جرأتى ولكن تظهر توقعها لفعلتى
قالت : "ليس كل من تقابلا فى الطريق مرتان صارا اصدقاء"
قلت : "فعلاً , لكننا ليسو بغرباء , لا اعرف سبباً لهذا لكنى اعرفه , عينيكى تخبرنى هكذا "
نظرت الى ببسمة اكثر دفئاً دون ان تجيب
هى تكره عالم الغرباء مثلى , مر على هذا الامر سنين كثيرة , لكنى اتذكره كل يوم عندما استيقظ فانظر فى عينيها اول شئ صباحاً , كذلك فى الليل انام ناظراً اليهما  فاشعر بكل الدفء الذى فى العالم يحيط بى , وانسى اليوم كله بزحامه وغرباءه بعيونهم الباردة الفضولية
لا اتخيل يوماً لى على الارض بلا عيناها

فادى فتحى
من اوراق قديمة لا اذكر متى كتبتها